سلسلة العبقريات :عبقرية خالد بن الوليد (سيف الله المسلول) رضي الله عنه
إن شروط القيادة على وفرتها و عظم التَّبعية فيها جميعاً ،ليس يوجد بينهما ما هو ألزم للقائد من القدرة على سبر قوته و سبر قوة خصمه، و كل ما عدا ذلك فإنما هو ترتيب لما يصنعه بقوته، و ما يتوقع من القوة التي ينازلها أن تصنعه، أو هو تنظيم للأهبة والحيطة بين الفريقين في المكان الذي يتلاقيان فيه.
هكذا يبدأ العقاد كتابه عبقرية خالد ، ضمن سلسلة العبقريات ، حيث يحيط العقاد بهذا الكتاب بكافة الجوانب الإنسانية ، و قدراته الاستراتيجية العسكرية ، و التي جاءت صنيعة كلّ من الفطرة و البيئة و التجربة.
بلغة جزلة تليق بالعنوان ، يقدم لنا العقّاد هذا الكتاب، بإسلوب طرح الحجج و البراهين و الإثباتات ، و دحض النقيض مما نشر في كثير من المؤلفات التاريخية، و الذي يعتقد أنه أقرب للتأويل البعيد عن البحث التاريخي العلمي.
ليخرج لنا كتاب (عبقرية خالد) ، زاخراً بكافة جوانب حياة خالد (و إن ابتعد قليلاً في بعض الفصول عن شخصية خالد نفسها) ،
لتأتي الأحداث بنصابها التاريخي الصحيح بعيداً عن التمجيد و التأويل .
البادية و الحرب
مستشهداً بنصوص من القرآن الكريم ، و من التوراة ،و بمواقف تاريخية عدة يثبت الكاتب خبرة العرب التاريخية في فنون الحرب و القتال، على عكس ما هو شائع عند بعض المؤرخين الأوروبيين و بعض العرب، من أنهم مجموعة من السطاة و المغيرين الذين يجيدون الكر و الفر.
و يورد الكثير من الأمثلة على تسيير الجيوش بالآلاف ، و تقسيمها و تنظيمها و وضع الخطط العسكرية المحكمة.، و تعزيز الروح المعنوية للمقاتلين و تكريس عقيدة الحرب.
قريش ومخزوم
يتحدث الكاتب عن الثقافة السائدة وقتها ، و أن الجزيرة لم تكن منعزلة عن العالم، بل على العكس، فقد انتشر استقصاء الخبر ، ومعرفة علوم باقي الأمم الأجنبية، و قلما خفي عنها فن من فنون ثقافة العرب في مصالح السِّلم و الحرب، أو في معارض السياسة و الشؤون الاجتماعية.
و يتحدث عن نظام سياسي متكامل مقسم بطريقة منظمة بحيث يحفظ الحق الأصيل لسادتها بمناصب متدرجة ، كلٌّ حسب قوة بيته ، و مكانته الاجتماعية.
من هذه التركيبة نشأة خالد بن الوليد ، من أعرق بيوت بني مخزوم، و أرفعهم نسباً و مكانة.
نشأة خالد
يتحرى الكاتب بدقة عمر خالد ، و زمن مولده الدقيق، حيث يخلص أنه ولد سنة ٣٤ قبل الهجرة. و يتحدث عن شبهه بعمر بن الخطاب( رضي الله عنه) و على الرغم من الغنى الفاحش الذي تمتعت به عائلته، إلّا أن خالداً أرسل إلى البادية قصداً لرياضة النفس و الجسد و تمرساً على خشونة الأعراب و شدائد الميادين..
“فكانت له ضلاعة العصيين الأقوياء المعهودين بين رجال السيوف، وهي ضلاعة يوشك أن تستمد من حماسة النفس و شهامة القلب أضعاف ما تستمده من العضلات و الأوصال.
إسلامه
لم يكن تسليمه تسليم العاجز الوكيل ، ولا الجازع المنخذل، و كأنه آمن بالله لأنه علم من ذات نفسه أنه لا يغلبه إلّا الله .
و يذكر حوادث شهدها في مواجهته الرسول الكريم صلّى الله عليه و سلم و جيش المسلمين أثرت فيه بعدما التمس فيهت سكينة المسلمين في صلاتهم، و وسط اشتداد الجذب و الدفع بين الإنسان و قرارة ضميره ، و في وجوب الموازنة تلك لم يترك خالداً نفسه ، و لم يلبث بعد أن جاءته الدعوة التي تنصره على عناده و تخرجه من تردده أن يعلن إسلامه.
مع النبي ( صلّى الله عليه و سلّم)
يسهب الكاتب في هذا الفصل بالأسباب والظروف المحيطة التي أفضت بخالداً ليشغل المكانة التي شغلها .
” و قد صحب خالد النبي (صلى الله عليه و سلم) ثلاث سنوات ،
و عهد إليه النبي الكثير من الأعمال الصغيرة و أشركه في بعض الأعمال الكبيرة، و منها غزوة مؤتة، غزوة حنين، و سرية بني جذيمة.
1. سرية مؤتة
في هذا المقال يشرح الكاتب كيف استطاع خالد بن الوليد بخطة عبقرية ، إنقاذ سرية كاملة ، كانت قد أرسلت من قبل الرسول الكريم للثأر لفرقة رسل قتلها هؤلاء .
فحوصرت السرية و كان عددها يتحاوز ثلاثة آلاف ،
فما كان من مناص من الإرتداد المأمون أمام جحافل هرقل و الغسانيين، و كان هذا الارتداد بحيلة من حيل الحرب التي ابتكرها خالد.
2. بنو خزيمة
و يتحدث هنا عن اللبس الذي وقع فيه خالد بن الوليد بسبب حداثة عهده بالإسلام، و عوامل أخرى ، و ما تبع تلك الواقعة ،
مما جعل الرسول الكريم ( صلى الله عليه و سلم ) يدفع دية من قتل من بنو حزيمة و أرضاهم حتى رضوا.
3. غزوة حنين
يتحدث الكاتب عن تفاصيل تلك الغزوة بالحجج و البراهين و القصص الموثقة
و كيف استطاع المسلمين قلب الهزيمة الموشكة، إلى نصر محقق .
و كيف استحق خالد بن الوليد لقب سيف الله المسلول بجدارة.
حروب الردة
و بنفس المنهج السابق بالإثبات و السّرد
يتحدث الكاتب هنا عن استبسال خالد بن الوليد في مواجهة القبائل التي ارتدت بعد وفاة الرسول الكريم ( صلى الله عليه و سلم)
“و لم يكن خالد في مواقف الصرامة و البطش بحاجة إلى توكيد و تشديد،
فلم يقبل من المرتدين إلّا أن يأتوه بالذين حرقوا و مثّلوا و اعتدوا على المسلمين ، و مثل بهم فأحرقهم بالنيران ، و رجمهم بالحجارة و رمى بهم من الجبال كفعلهم بأولئك الأبرياء.
الفتوح
يتابع الكاتب هنا الحديث عن معارك خالد بن الوليد و يظهر دوره الجلي في إحقاق الفتح الإسلامي
و نجد أن الكاتب هنا أغنى نصه ( على قصره نسبة لكم الأحداث المذكورة فيه)
و ذكر الكثير من القصص التاريخية التي تستحق أن تستذكر.
العزل
بعد معركة اليرموك و حروب الأكاسرة و توحيد المسلمين في حروب الرومان و بعد ما أبلى في مرج الروم ، ثم عمله في قنسرين، ضاقت المجالات أمام ضربات خالد و أضحى الدور الجلي لضمد الجراح و تقريب القلوب، ويفند الكاتب هنا فكرة الثأر القديم بين عمر بن الخطاب و بين خالد بن الوليد رضي الله عنهما ، و يعزي الأسباب الحقيقية للعزل.
عبقريته الحربية
و يجمل القول أن خالد بن الوليد لم تعوزه صفة من صفات القائد الكبير , المفطور على النضال , و النشاط , و الشجاعة, و اليقظة , و الجلد, و حضور البديهة, و قوة التأثير.
مفتاح الشخصية
يتوسع الكاتب هنا في الصفات الإنسانية و التجارب و البيئة التي تضافرت جميعها لتخرج لنا هذا القائد التاريخي الفذ.
نهاية من صنع القدر
و هنا يأتي الكاتب على ذكر وفاة أبناءه كافة حتى انقرضت ذريته، و النهاية العجيبة لمثل تلك الشخصية الفذة على فراشه بين عام ٢١ و ٢٢ للهجرة، بعد أن شهد نيفاً و خمسين من الزحف بين نجد و الحجاز و العراق و الشام و لم يبق في جسمه مصح من كثرة الجراح.
“لقد مات -نصير الموت- مطمئناً إلى نهاية حياته ، لا يكره منها إلّا أنها انتهت على فراشه .”
اقرا ايضا باقي سلسلة العبقريات
عبقرية على
تعتبر هذه الرواية من أهم الأعمال الاسبانية الأمريكية خاصة، ومن أهم الأعمال الأدبية العالمية. مائة عام من العزلة هي من أكثر الروايات المقروءة والمترجمة للغات أخرى.
عبقرية محمد
عبقرية محمد صلى الله عليه وسلم تناول شخصية الرسول محمد عليه الصلاة والسلام :كتاب عبقرية محمد كتاب يؤدي معناه في الحدود المقصودة، فهو ليس كتاب سيرة نبوية و ليس كتاباً لشرح أحكام الإسلام إنما هو كتاب…
عبقرية عمر
يقدم كتاب عبقرية عمر وصف ودراسة لأوصاف عمر بن الخطاب و مجموعة من الدلالات على خصائص عظمته ، و الاستفادة من هذه الخصائص لعلم النفس و علم الأخلاق و حقائق الحياة. قدم العقاد مجموعة من الحوادث، ….