حين يسألني الناس كيف أصبحت باحثة خزي، أُخبرهم أن مستقبلي المهني بُنيّ حول جملة واحدة: “لا يمكنك أن تُشعر الأشخاص بالخزي، أو أن تقوم بازدرائهم ليقوموا بتغيير سلوكياتهم”. حينما كنت في العشرينيات من عمري، عملتُ في مؤسسة علاج إيوائية للأطفال. يوماً ما أثناء اجتماع الموظفين، تحدث إلينا المدير الطبي الذي يقوم بالإشراف على العمل العلاجي الذي يتم مع الأطفال، عن مساعدة الأطفال ليتخذوا خيارات أفضل. قال: “أعلم أنكم تريدون أن تقوموا بمساعدة هؤلاء الأطفال، لكن يجب عليكم أن تفهموا الآتي: لا يمكنكم أن تُشعروا الأشخاص بالخزي، أو أن تقوموا بازدرائهم ليقوموا بتغيير سلوكهم”. وأكمل ليشرح ذلك، بغض النظر عن النوايا الخاصة بنا، لا يمكننا أن نجبر الناس على اتخاذ تغييرات إيجابية عن طريق تثبيط عزيمتهم، تهديدهم بالرفض، إذلالهم أمام الآخرين، أو ازدرائهم. منذ اللحظة التي قيلت فيها الكلمات، استحوذت علي الفكرة تماماً، وأخيراً تركت وظيفتي في مؤسسة العلاج الإيوائي من أجل الالتحاق بالدراسات العليا، على مرّ السبع سنوات التالية، تعليمي بأكمله كان يدفعه ذلك الافتراض المؤثر “لا يمكنك ان تُشعر الأشخاص بالخزي، أو أن تزدريهم ليقوموا بتغيير سلوكهم”. أردتُ أن أفهم كيف ولِمَ نستخدم الخزي، وأردتُ أيضاً أن أفهم عواقب محاولة استخدام الخزي لتغيير الأشخاص.
تعريف الخزي: الخزي هو شعورٌ مؤلم للغاية، أو معاناة الاعتقاد بأننا معيبون، ولذا لا نستحق القبول والانتماء.
في حين أن التعريف يمنحنا نقطة بداية، فإن ما يمد فهمنا بالإثارة هو الأمثلة التي شاركتها النساء بينما كافحت لإيضاح المفهوم.
· الخزي هو أن أمي لا تزال ممتعضة من وزني. كل مرة أذهب لزيارة المنزل مع زوجي والأطفال أول ما تقوله هو “يا إلهي، أنتِ لا تزالين بدينة!”، وآخر ما تقوله حين أخرج من الباب هو “ليتك تتمكنين من فقدان بعض الوزن” لقد جعلتني أُقاسي كثيراً فيما مضى، ظننت أنها ستتخطى الأمر بحلول الوقت، لكن كلا، هي فقط تستمر في الأمر.
· العقم كان شيئاً مخزياً بالنسبة ليّ، لأنه كان شعوراً موحشاً، شعرتُ كأن لم يكن ليتفهم ألمي أي شخص آخر، خاصة أولئك ممن حولي ولديهم أطفال، تشعرين وكأن هناك خطب ما بك، أو كأنك بشكل ما تتم معاقبتك على شيء قد فعلته بصورة خاطئة، تتساءلين في قرارة نفسك إن كان بشكل ما تلك هي “الخطة” لأنكِ لستِ صالحة لتصبحي أمّاً.
أساسيات الخزي: في هذا الجزء سنبدأ في بناء فهم للخزي، فيما يتضمن مدى اختلافه عن الذنب أو الإذلال أو الإحراج، والكيفية التي يعمل بها الخزي في حياتنا.
الشعور بالإحراج، الذنب، الإذلال والخزي: في مجتمع البحث، هناك مناقشات مثيرة للاهتمام حول العلاقات بين الإحراج، الذنب، الإذلال، والخزي. على الرغم من أن هناك مجموعة صغيرة من الباحثين الذين يعتقدون أن جميع المشاعر الأربعة مرتبطة ببعضها، وتمثل درجات متفاوتة لذات العاطفة، إلا أن الغالبية العظمى من الباحثين يعتقدون أن الأربعة مشاعر هي تجارب منفصلة، ومختلفة، ويؤيد بحثي بشدة أن الإحراج، الذنب، الإذلال، والخزي، أربع استجابات عاطفية مختلفة.
الإحراج هو الأقل قوة بين تلك المشاعر، الإحراج هو وفقاً لتعريفه، شيء عابر، وعادة ما يكون في النهاية شيئاً مضحكاً وطبيعياً للغاية مثلاً (التعثر، أو الخطأ في الكلام، إلخ).
ربما يكون الذنب هو المصطلح الذي غالباً ما يتم الخلط بينه وبين الخزي. الذنب والخزي كلاهما مشاعر تقييم للذات؛ مع ذلك ينتهي التشابه عند هذه النقطة، أغلبية باحثي الخزي يتفقون على أن الاختلاف بين الخزي والذنب أفضل طريقة لفهمه هو كالاختلاف بين “أنا سيئ” (الخزي)، و “فعلتُ شيئاً سيئاً” (الذنب). الخزي يتمحور حول من نكون، والذنب حول سلوكياتنا.
الإذلال هي كلمة أخرى عادة ما نخلط بينها وبين “الخزي”. دعني أعطيك مثالاً على الفرق بين الخزي والإذلال من خلال بحثي الأخير عن كيفية استخدام الخزي للتنشئة والتعليم، إذا أعلن مدرس درجة رسوب طفل أمام الفصل ودعاه “غبي”، فمن المحتمل أن يُعاني الطفل من الخزي أو الإذلال، إذا اعتقد الطفل أن إعلان المدرس وإهانته غير عادلة وغير مستحقة، الأكثر احتمالاً أن يشعر الطفل بالإذلال بدلاً من الخزي، إذا على الجانب الآخر، صدّق الطفل الرسالة بأنه غبي، ويستحق أن يُدعى كذلك أمام زملائه يقوده ذلك إلى الخزي.
الخزي والخوف: الخزي هو كل ما يتعلق بالخوف، نحن بيولوجياً، وعاطفياً واجتماعياً ومعرفياً مجبولون على الاتصال، الخزي يتعلق بالخوف من الانفصال. حين نعاني من الخزي نستغرق في الخوف من أن تتم السخرية منا، أن يُحط من قدرنا، أو أن تتم رؤيتنا ذوي عيوب. نخاف أن نُظهر أو نكشف جزءاً منا يُعرّض اتصالنا واستحقاقنا للقبول إلى الخطر.
مرونة الخزي وقوة التعاطف: التعاطف الحقيقي يتطلب أكثر من مجرد كلمات، إنه يتطلب العمل. التعاطف ليس ببساطة معرفة الشيء المناسب لتقوله لإنسانة تمر بتجربة مخزية. كلماتنا مؤثرة بنفس قدرتنا على الحضور والاشتراك بصدق مع إنسانة بينما تروي قصتها. أقوم بتعريف التعاطف بالمهارة أو القدرة على الاستفادة من تجاربنا الخاصة، حتى نتصل بتجربة شخص ما يرويها لنا. تعريف آخر يعجبني لبول بيدرسون، وماري آيفي، يصفون التعاطف بــ “القدرة على استيعاب موقف من منظور شخص آخر، لترى، تسمع، وتشعر بالعالم الفريد للآخر”. ولحُسن الحظ، التعاطف شيء يمكن تعلّمه. تيرسا وايزمان، عالمة تمريض في إنجلترا تقوم بتعريف أربع خصائص تميّز التعاطف، وهي: (1) أن تكون قادراً على رؤية العالم كما يراه الآخرون؛ (2) ألا تُصدر أحكاماً؛ (3) أن تتفهم مشاعر الشخص الآخر؛ (4) أن تقوم بتوضيح تفهمك لشعور هذا الشخص.
العطف مُقابل التعاطف: عندما نتحدث عن التعاطف، عادة ما نخلط بينه وبين العطف، في معظم الحالات، عندما نمنح العطف لا نقوم بالانتقال لفهم العالم كما يراه الآخرون. ننظر إلى الآخرين من عالمنا، ونشعر بالسوء أو الحزن لأجلهم. الأصل في العطف هو “أنا لا أفهم عالمك، لكن من هذه الرؤية تبدو الأشياء سيئة بشدة”. حين تتم تلبية حاجتنا إلى التعاطف من خلال العطف، يمكن أن يرسلنا هذا غالباً إلى حد أعمق في الخزي، ونشعر بالوحدة والانفصال أكثر.
إدراك الخزي وفهم مسبباته لدينا: كيف نبدأ في إدراك مسببات الخزي الخاصة بنا؟ ما الذي نحتاج القيام به لنبدأ بالاعتراف بقابليتنا للضعف؟ عندما كنت أجري مقابلات مع كل من النساء والرجال، كثير من العبارات نفسها ظلت في الظهور وقد سمعتها مراراً وتكراراً مثل: “لا أريد أن تتم رؤيتي كــ …”، ” ولا أود أن يعتقد الناس أني …”، “لم أتمكن من تحمل أن الناس يظنون أني …” كما تدل هذه العبارات، الخزي يكون حول المنظور، الخزي هو كيف نرى أنفسنا خلال عيون الأشخاص الآخرين. لمساعدتنا لنبدأ في إدراك بعض مسببات الخزي الخاصة بنا لنلقِ نظرة على تلك الأسئلة التي استخدمها في جلسات ورش العمل الخاصة بي:
- أُريد أن يُنظر إليّ كــ …………………………، و………………….
- لا أُريد أن يُنظر إليّ كــ …………………… أو …………………..
الخطوة التالية هي أن نكشف عن مصدر تلك المسببات.
ممارسة الوعي الناقد: الوعي هو معرفة أن شيئاً ما موجود. أما الوعي الناقد فهو معرفة السبب في وجوده، وكيفية عمله، كيف يتأثر به مجتمعنا، ومن يستفيد منه.
إن الخزي يعمل مثل عدسة التكبير في الكاميرا. عندما نشعر بالخزي فإن الكاميرا تُقرّب المشهد عن كثب، وكل ما نراه هو أنفسنا المعيبة والوحيدة والمكافحة. فنفكر في أنفسنا، “إنني الوحيد، هناك خطب ما بي”. وعندما نُصغر المشهد، نبدأ في رؤية صورة مختلفة تماماً. نرى العديد من الأشخاص في نفس الصراع. وبدلاً من التفكير، “إنني الوحيد”، نبدأ في التفكير، “لا يمكنني التصديق! أنت أيضاً؟ أنا طبيعي؟ ظننت أنني وحدي في هذا!” حالما نبدأ في رؤية الصورة الكبيرة، فإننا أقدر على التدقيق الواقعي لمسببات الخزي لدينا وتوقعات المجتمع التي تُغذي الخزي.
أعتقد أن أفضل طريقة لتعلم الوعي الناقد هي تطبيق المفاهيم على قضية حقيقية. لنبدأ بالنظر إلى قضية المظهر والصورة الجسدية. أحب أن استخدم هذه القضية كمثال، لأنها تكاد تكون مسبب خزي عاماً. ولنبدأ في فهم الصورة الكبيرة نحتاج أن نسأل أسئلة الصورة الكبيرة التالية حول المظهر:
· ما هي توقعات المجتمع حول المظهر؟
· لماذا توجد هذه التوقعات؟
· كيف تعمل هذه التوقعات؟
· كيف يتأثر مجتمعنا بهذه التوقعات؟
· من الذي يستفيد من هذه التوقعات؟
بينما يكون لدى كل منا على الأرجح إجابات محددة لهذه الأسئلة بناءً على عمرنا، جنسنا، عرقنا، إلخ؛ فبهدف المثال سأقوم بالإجابة بإجابات عامة واسعة النطاق.
أولاً، ماهي توقعات المجتمع عن المظهر؟ على المستوى المجتمعي، فإن المظهر يشمل كل شيء من الشعر، والبشرة، والمكياج، والوزن، والملابس، والعمر، والثروة …إلخ
لماذا توجد توقعات المظهر؟ سأقول إنها موجودة لتبقينا ننفق مواردنا القيمة – المال، والوقت، والطاقة – في محاولة الوصول إلى بعض المثالية التي لا يمكن تحقيقها.
كيف تعمل؟ أعتقد أن التوقعات ظاهرة وخفية، إنها كل شيء نراه، وكل شيء لا نراه. إن قرأت مجلات الموضة أو شاهدت التلفاز، فستعرف ما “يُفترض” بك أن تبدو مثله، وكيف “يُفترض” أن تلبس وتتصرف. وإذا نظرت نظرة فاحصة، فسترى كل الأشياء المفقودة، صورة الأشخاص الحقيقين. وإن دمجت ما هو هناك وما هو مفقود، ستصل سريعاً إلى الاعتقاد أنه إن لم تبدُ بشكلٍ معيّن، فستصبح غير مرئي؛ أنت لا تهم.
ما تأثير هذه التوقعات؟ حسناً دعنا نرى:
· حوالي ثمانين مليوناً من الأمريكان مصابون بالسمنة.
· ما يقرب من سبعة ملايين فتاة أو امرأة يعانين من اضطرابات في تناول الطعام.
· منذ خمسة وعشرين عاماً، كانت أفضل عارضات الأزياء وملكات الجمال يزن فقط 8% أقل من متوسط وزن المرأة العادية، أما الآن فإنهن يزن 23% أقل من المتوسط.
· ومن بين النساء اللواتي تجاوزن الثامنة عشرة عند النظر إلى أنفسهن في المرآة، فإن البحث يشير إلى أن 80% على الأقل غير سعيدات بما يرين.
· أول خمس عمليات جراحية للنساء هي: شفط الدهون، وتكبير الثدي، وجراحة الجفن، وشد البطن، وشد الوجه.
من المستفيد من توقعات المظهر؟
· 38 مليار دولار لصناعة منتجات الشعر.
· 33 مليار دولار لصناعة الحمية الغذائية.
· 18 مليار دولار لصناعة المكياج.
· 13 مليار دولار لصناعة الجراحات التجميلية.
هذه مجموعة كاملة من الناس الذين يعتمدون علينا في رؤية وتصديق الرسائل التي تروج لها توقعات المجتمع حول المظهر. إن لم نصدق أننا بدناء جداً وبشعون ومسنون؛ عندها لن يبيعوا منتجاتهم. وإن لم يبيعوا منتجاتهم، فلن يستطيعوا تسديد فواتير منازلهم، إن الضغط جارٍ!
وعندما نسأل ونجيب على أسئلة الصورة الكبيرة هذه، فإننا نبدأ بتطوير الوعي الناقد. الخطوة القادمة هي تعلّم كيفية استخدام هذه المعلومات لنقوم بالتدقيق الواقعي لمسببات الخزي لدينا. نقوم بذلك عن طريق النظر إلى مسببات الخزي لدينا وطرح أسئلة التدقيق الواقعي:
· ما مدى واقعية توقعاتي؟
· هل يمكن أن أكون كل هذه الأشياء طوال الوقت؟
· هل تتعارض التوقعات مع بعضها البعض؟
· هل أصف الشخص الذي أُريد أن أكونه أم الشخص الذي يريدني الآخرون أن أكونه؟
· إذا نظر إليّ شخص ما على أنني أمتلك هذه السمات غير المرغوب فيها، فما الذي سيحدث؟
· أيمكنني أن أتحكم في كيفية رؤية الآخرين لي؟ كيف أحاول؟
التحدث عن الخزي: لا شيء أكثر إحباطاً، وفي بعض الأحيان إثارة للخوف، من الشعور بالألم وعدم القدرة على وصفه، أو البوح به لشخصٍ ما. عندما لا نستطيع أن نجد الكلمات الصحيحة لوصف تجاربنا المؤلمة للآخرين، غالباً ما نشعر بالوحدة والخوف. وقد يشعر بعضنا حتى بالغضب أو السخط. في النهاية ينغلق معظمنا، وإما أن يعيش بصمت مع الألم، أو في بعض الأحوال عندما نعجز، نقبل تعريف شخص آخر لما نشعر به ببساطة من منطلق حاجتنا الماسة لإيجاد بعض الحل.
ترجمة الخزي: تعرضنا جميعاً للخزي من شخصٍ ما، لقد آذتنا جميعاً تعليقات خبيثة، وفي بعض الأحيان وضيعة عن الكيفية التي نبدو عليها، وعن عملنا، وعن تربيتنا لأطفالنا، وعن طريقة انفاقنا لأموالنا، وعن عائلاتنا، أو حتى عن تجارب الحياة التي لم يكن لنا يدٌ فيها. يمكن لتعليقات الخزي أن تكون مباشرة أو غير مباشرة أو متعمدة أو حتى على ما أظن عن غير قصد. وما تشاركوا جميعاً في قوله هو كم تؤذي تلك التعليقات وتجعلنا نعود أدراجنا مترنحين باحثين بيأس عن الحماية.
بالطبع عندما نكون مترنحين ويائسين، نادراً ما نجد سبلاً مؤثرة لحماية أنفسنا. وفي الواقع الكثير من المهارات المسايرة التي نستخدمها للتعامل مع الخزي تُعظّم من شعورنا بالعجز، سأشرح كيف أن التحدث عن الخزي يسمح لنا بالإعراب عما نشعر، والسؤال عما نحتاج إليه، حتى نتمكن من بناء مرونة الخزي بفعالية.
ما هي نواياك؟
من الصعب جداً تحديد الخزي، كمتعمد أو غير متعمد، فإنه يفترض أن نعرف أن الدافع للشخص الذي ألقى التعليق أو سبب الشعور بالخزي، في بعض الأحيان يكون الدافع واضحاً، وفي أحيان أخرى لا يكون كذلك. في الأمثلة أدناه تعتقد المشاركات في البحث أن التعليقات كان من المقصود لها أن تؤذي وتخزي، إلا أن كل واحدة منهن أعطت سبباً مختلفاً للدافع وراء الخزي.
· الخزي هو عندما تركني زوجي لأجل امرأة أخرى، وأخبرني ابني أن السبب هو أنني “بدينة للغاية”، (الخزي عبر الغضب). - عندما تُطلق عليّ ألقاب، لا سيما بألفاظ جارحة مثل “بدينة للغاية”، إنه أمرٌ مدمر بالنسبة ليّ، إذا كنت غاضباً مني أو من والدك، يمكن أن نتحدث عن ذلك، ولكن لا يمكن أن نتحدث إلى بعضنا البعض إذا كان يهاجم أحدنا الآخر.
· أول مرة أصيبت ابني بعدوى في الأذن، قال لي طبيب الأطفال، “حسناً ما الذي ستختارينه مهنتك أم سمع أطفالك؟” (الخزي عبر إصدار الأحكام) - عندما تقول “ما الذي ستختارينه؟ مهنتك أم سمع ابنك؟” أنا لا أعرف كيف أرد. أريد نصيحتك الطبية، ولكن عندما تشعرني بالخزي على هذا النحو، من الصعب بالنسبة لي سماع ما تقوله.
في الأمثلة التالية من الخزي غير المتعمد أطلق المشاركون تعليقا مثل: “لا أظن أنه تعمّد إحراجي” أو “أنا بصراحة لا أعتقد أنهم يمتلكون الحكمة الكافية”. ولكن من المهم ملاحظة ان المشاركين قد أشاروا إلى أنه، بغض النظر عن “النية” كانت التجارب لا تزال مخزية ومؤلمة جداً وأن علاقتهم مع من “أشعروهم بالخزي” قد أصبحت مهددة بهذه التجارب.
· عندما أخبرت أصدقائي عن الإجهاض، أحبطوا مشاعري، وقالوا أشياء مثل “على الأقل أصبحت تعرفين أن بإمكانك الحمل” أو “على الأقل أنك لم تتقدمي كثيراً في الحمل” (أمرٌ غير مريح، عطف في محاولة لجعل الأمور تبدو أفضل). - أشعر حقاً بالحزن والوحدة بسبب الإجهاض. أنا أعلم أن النساء تختبرن هذا بطرق مختلفة، ولكن بالنسبة لي المسألة كبيرة. كنت أحتاج منكم أن تستمعوا إلى كيفية شعوري، ليس من المفيد أن تحاول تحسين الوضع، أنا فقط بحاجة للتحدث عما أصابني مع الناس الذين يهتمون بي.
ممارسة الشجاعة في ثقافة الخوف: قد لا تكون هناك علاقة أقوى من تلك التي توجد بين الخوف والخزي. غالباً يشترك هذان الانفعالان معاً من أجل خلق العاصفة الانفعالية المثالية، الخزي يؤدي إلى الخوف، والخوف يؤدي إلى الخزي.
الصورة الجسدية: لدي أكثر من 90% من المشاركين الذين يعانون الخزي من أجسادهم، إن الخزي من الجسد قوي جداً، ويكون غالباً متأصلاً بعمق في نفوسنا، بحيث أنه يؤثر بالفعل على سبب وكيفية شعورنا بالخزي في العديد من الفئات الأخرى، التي تشمل الجنس، الأمومة، وتربية الأبناء، والصحة والشيخوخة، وقدرة المرأة على التعبير عن رأيها علناً وبثقة.
عندما تملؤنا أجسادنا بالاشمئزاز ومشاعر انعدام القيمة، من الممكن ان يُغيّر الخزي جوهرياً من هويتنا وكيفية تعاملنا مع العالم. لنتأمل المرأة التي تبقى هادئة أمام الناس، بسبب الخوف من أسنانها الملتوية والمصبوغة ستجعل الناس يشككون في قيمة مساهماتها. او المرأة التي أخبرتني أن “الشيء الوحيد الذي يجعلها تكره كونها بدينة هو الضغط المستمر لتكون لطيفة مع الناس. وأوضحت: “إذا كنتِ مشاكسة، قد يوجهون إليكِ تعليقاً قاسياً بشأن وزنك”.
التطور وتحديد الغايات: عندما نصبح أكثر طلاقة في حديثنا عن الخزي، فإن ما يكمن وراء الكلمات من قوة ومغزى يصبح أكثر وضوحاً. تستخدم النساء اللاتي تمتلكن مستويات عالية من مرونة الخزي لغة مختلفة عن النساء اللاتي تعانين من الخزي في نفس المجال، على سبيل المثال، عندما تحدثت مع النساء عن المظهر، والأمومة، وتربية الأبناء، والعمل، والأسرة، تحدثت النساء اللاتي أظهرن مستويات عالية من مرونة الخزي بشكل أقل عن الكمال وبشكل أكثر عن التطور. كانت بعض أنماط اللغة التي سمعتها على النحو التالي:
· أريد أن اجتهد لكي أصبح أفضل في …
· أريد أن ينظر إلي على أنني أبذل قصارى جهدي في …
· أريد أن ينظر إلي على أنني أُحاول …
عندما نُفضّل التطور على الكمال، فإننا نزيد على الفور من مرونة الخزي لدينا. التحسن هو غاية أكثر واقعية من الكمال. إن مجرد استغنائنا عن الغايات بعيدة المنال يجعلنا أقل عُرضة للخزي.
التأسيس الذاتي: عندما نُفضّل التطور على الكمال، فإننا نختار التعاطف والاتصال. أستخدم مصطلح “التأسيس الذاتي” لأننا من أجل أن نفحص أين نحن، وأين نريد أن نصل، والكيفية التي نريد بها الوصول هناك، لا بد أن يكون لدينا مستوى من القبول الذاتي بشأن هويتنا.
الاحتفاء بالعادي وغير العصري: إن الشعور بالخوف والخزي من كون الشخص عادياً ملموس للغاية في ثقافتنا. في الواقع تحدثت كثيرات من النساء الأكبر سناً اللاتي أجريت مقابلات معهن عن تذكرهن لما مضى من حياتهن، وشعورهن بالأسى على الأشياء الاستثنائية التي لن يتحقق حدوثها مطلقاً. يبدو أننا نُقدّر قيمة مساهمات الناس (وأحياناً حياتهم بأكملها) وفقاً لمستواهم من الاعتراف الشعبي، وبعبارة أخرى، يتم تقديرهم وقيمتهم وفقاً للشهرة والثروة.
تهمل ثقافتنا سريعاً النساء والرجال الهادئين، العاديين، والكادحين. في كثير من الأحوال، نساوي بين العادي والممل، أو حتى الأكثر خطورة من ذلك، أن كلمة عادي قد أصبحت مرادفة لكلمة تافه.
خلق ثقافة اتصال: في أبريل 2006، حضرت حفل توزيع جوائز نظمته مؤسسة feminist Majority أُقيم الاحتفال على شرف أربع نسوة حصدن الجائزة العريقة نوبل للسلام، وفي نهاية المساء، اعتلت الناشطة النسوية “مافيس لينو” المنصة لتختم الأمسية. ألقت نظرة على الجمع المتحمس، ثم قالت “يمكن لأيّ منّا أن يُحدث الفارق”. ما لم تكن تريد أن تبدو كالملصقات على مصدات السيارات، فكيف يتسنى لك أن تُلهم الناس ليُغيّروا العالم بجملة أو اثنتين؟ كيف يمكنك أن تُساعد الناس أن يؤمنوا أن بوسعهم فعلاً أن يصنعوا فارقاً دون أن تُثقل كاهلهم بالمسئولية، أو أن تمطرهم بوابل من الكلام المكرر؟ إن غالبيتنا لم يكرسوا حياتهم لتحقيق السلام العالمي، وهم غير مقتنعين بقدرتهم على تغيير العالم. بل إن الواقع يقرر في بعض الأحيان أن يستدعي تفريغ غسالة الأطباق من محتوياتها كل ذرة طاقة في كيانك. نظرت مافيس لينو للجمهور وقالت ببساطة: “إذا أردت أن تُحدث الفارق فعليك في المرة المقبلة، حين ترى أحدهم يقسو على إنسانٍ آخر، أن تأخذ الأمر على محملٍ شخصي. خذ الأمور على محمل شخصي، لأن الأمر شخصي بالفعل”.
جميعاً يعرف كيف يجعل الأمر شخصياً بالنسبة له، في الواقع من الطبيعة البشرية أن نأخذ القسوة على محمل شخصي حين نراها. فإذا اخترنا ألا نتورط بالأمر، أو أن نتجاهل حدوثه فإننا نكون قد خالفنا جوهر الاتصال الذي يجعلنا بشراً.
كتاب مفيد وملخص رائع شكرا لكم
التعليقات مغلقة.